الصبر والمغفرة في القرآن
مازال البعض منا نحن المسلمين أتباع خاتم الأنبياء ، يُحرم على نفسه الدعاء لأهل الكتاب والمشركين بالرحمة والمغفرة ، وقد بينا مدى جواز ذلك في مقال سابق ، ويستبدل البعض الدعاء بالصبر بدلاً من الدعاء بالرحمة والمغفرة .
فبتاريخ 14 أغسطس 2022 ، تقدم الدكتور شوقي علام ، مفتي الجمهورية بواجب العزاء لأسر ضحايا حريق كنيسية أبوسيفين ، سائلًا المولى عزَّ وجلَّ أن يمنَّ على المصابين بالشفاء العاجل، وأن يُلهم أُسَر الضحايا وذويهم الصبر والسلوان [1]. ولم يُذكر الدعاء بالرحمة والمغفرة في البيان .
ولا نعلم إذا كان قد خفى على فضيلة المفتي أن الله قد وعد الصابرين الذين يعملون الصالحات بالمغفرة والأجر الكبير ، في قوله تعالى " إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ " (هود 11 ) .
وفي الآيه السابقة الحديث عن بنى الإنسان جميعاً دون تمييز لأن الآية مسبوقة بقوله تعالى " وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ " ( هود 9 -10 ) .
وقد وضحنا في مقالات سابقة أن العمل الصالح قد يُقبل من أهل الكتاب ، في قوله تعالى " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ " ( البقرة62 ) ، وهنا لقبول العمل الصالح يشترط الإيمان بالله واليوم الآخر فقط ولم يشترط الإيمان بالرسل .
وقد ورد التواصي بالصبر معطوفاً على الإيمان والرحمة ، في قوله تعالى " ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ " ( البلد 17 ) . وفي ذلك دليل على أن مفهوم الإيمان ، غير مفهوم الصبر ، غير مفهوم الرحمة ، وأن المفاهيم الثلاثة ليسوا مترابطين .
وبعودة إلى جزاء الصابرين فنذكر قوله تعالى " وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ " ( فصلت 35) . وقوله تعالى " إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ " ( الزمر 10 ) .
لذا فالدعاء بالصبر هو كالدعاء بالمغفرة في القرآن .
هذا ونكتفي بهذا القدر من الحديث عن الصبر والمغفرة في القرآن .
هذا وبالله التوفيق .
محمد عبد الرحيم الغزالي
![]() |
الصبر والمغفرة في القرآن |
تعليقات
إرسال تعليق