الغايات والسُبل في القرآن
كنا قد كتبنا مقالاً عن العقيدة والسياسة وتوصلنا لنتيجة أن هناك فارق شاسع بين كل من العقيدة وكل من الغاية والسبيل . وأن الخلط بينهم هو سبب من أسباب الفتن في هذا العالم .
فالعقيدة هي ما يؤمن به الإنسان ويصدقه من أخبار وحقائق في هذا الكون ، والعقيدة مقرها القلب .
أما عن العلاقة بين الغاية والسبيل ، فالسبيل هو مجموعة الأوامر التي يتبعها الإنسان لبلوغ غاية معينة .
وفي القرآن الكريم تعددت الغايات والسبل نحاول أن نوجزها في هذا المقال .
فعبادة الله هي سبيل الإنسان لبلوغ مرتبة التقوى ، في قوله تعالى " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " (البقرة 21 ) .
وتقوى الله هي سبيل الإنسان للفلاح في الدنيا والآخرة ، في قوله تعالى " وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " (البقرة 189) . وقد وضحنا في مقال سابق أن للتقوى أكثر من معنى في القرآن .
وبذكر الفلاح ، نوضح أنه تقرر في القرآن أن إجتناب الخمر والميسر والأنصاب والأزلام هو سبيل الإنسان للفلاح في الدنيا والآخرة ، في قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " ( المائدة 90 ) .
وهنا نوضح أن السُبل المتعددة لبلوغ غاية واحدة ، هو دليل على أن السبيل ليس شرطاً لبلوغ الغاية .لذا فاجتناب الخمر ليس شرطاً لبلوغ غاية الفلاح .
وبذكر
السُبل المتعددة ، نذكر قوله تعالى " وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ
عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا
آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ " (
إبراهيم 12 ) . كذلك نذكر قوله تعالى " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ "
(العنكبوت 69).
كذلك
قد يوجد سبيل واحد لبلوغ أكثر من غاية ، فكما أن تقوى الله سبيل لبلوغ
غاية الفلاح ، فتقوى الله سبيل لبلوغ غاية أخرى وهى " شكر الله " ، في قوله
تعالى " فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ "( آل عمران 123) .
ومن الغايات في القرآن " حفظ العقل " ، ومن السبل إلى حفظ العقل هو إتباع وصايا الله وإجتناب ما حرم الله ، في قوله تعالى " قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " (الأنعام 151) .
وهنا نتفق مع الفقهاء القدامى الذين جعلوا " حفظ العقل " أحد مقاصد الإسلام .
ومن الغايات في القرآن " التفكر " ، في قوله تعالى " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ " ( البقرة 266 ) ، وهنا السبيل إلى ذلك هو بيان الآيات .
ومن الغايات في القرآن " الرحمة " ، في قوله تعالى " وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " (آل عمران 132) ، وهنا السبيل إلى ذلك هو طاعة الله والرسول .
ومن الغايات في القرآن " الهدى " ، في قوله تعالى " فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " ( الأعراف 158 ) . وهنا السبيل إلى الهدى الإيمان وإتباع الرسول .
هذا ونكتفي بهذا القدر من الحديث عن الغايات والسبل في القرآن .
ندعو الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل .
هذا وبالله التوفيق .
محمد عبد الرحيم الغزالي
![]() |
الغايات والسبل في القرآن |
تعليقات
إرسال تعليق