حقيقة كُفر أهل الكتاب في القرآن
كنا قد كتبنا مقالاً عن مصير أهل الكتاب يوم القيامة ، وتوصلنا فيه إلى حقيقة بأن كون الإنسان من أهل الكتاب ليس سبباً لدخوله الجنة أو لدخوله النار . وأن لدخول الجنة أسباب منها التقوى و العمل الصالح ، ولدخول النار أسباب منها الإجرام والإفساد في الأرض ، وقد وضحنا ذلك في مقالات سابقة .
وفي هذا المقال نتناول حقيقة وصف أهل الكتاب بالكُفر في القرآن ، فالبعض يُعمم وصف الكفر على جميع أهل الكتاب من نصارى ويهود . وقد قال تعالى عن أهل الكتاب " وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ " ( آل عمران 110 ) . وفي هذة الآية ضد الإيمان " الفسق " ، ولم يُعمم القرآن وصف الإيمان أو الفسق على أهل الكتاب .
وفي هذا المقال سنتناول بعض الآيات التي وصفت فئة من أهل الكتاب بالكفر .
ونبدأ بقوله تعالى " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ " ( البينة 6 ) . وفي هذة الآية لم يُعمم القرآن وصف الكفر على أهل الكتاب والمشركين ولكن الآية تتحدث عن فئة منهم كافرة . وسبق أن تحدثنا عن معنى الكفر في هذة الآية ووضحنا أنه ليس كفر عقائدي ولكنه بمعنى الإفساد في الأرض لأن الآية متبوعه بقوله تعالى " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ " (البينة 7).
أما عن قوله تعالى " لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " ( المائدة 72 ) ، فنقول أن من قال هذة المقولة بالنص فهو كافر بنص القرآن ولكن هذا الكفر ليس سبباً للعذاب ما لم يتبعه إجرام أو إفساد في الأرض.
كذلك في قوله تعالى " لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ " نقول أن من قال هذة المقولة بالنص فهو كافر بنص القرآن ولكن هذا الكفر ليس سبباً للعذاب ما لم يتبعه إجرام أو إفساد في الأرض ، لأنه في نفس الآية يقول تعالى " وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " ولو كانت مجرد المقوله سبب للعذاب لكان نص السياق " وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسنهم عذاب أليم " ولكن الآية تتحدث عن فئة كافرة كفراً أكبر ، بإجرام أو إفساد في الأرض أو عدم توبة ، فأستحقوا العذاب .
هذا ويحدثنا القرآن عن فئة من أهل الكتاب تؤمن بالله والقرآن والكتب السماوية السابقة ، في قوله تعالى " وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۗ أُولَٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ " (آل عمران 199) .
لذا فلا يمكن تعميم وصف الكفر على أهل الكتاب .
ندعو الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل .
هذا وبالله التوفيق .
محمد عبد الرحيم الغزالي
![]() |
حقيقة كُفر أهل الكتاب في القرآن |
تعليقات
إرسال تعليق