الدعاء بهلاك الظالمين في القرآن

    كنا قد كتبنا مقالاً عن الظلم ، عاقبته ومعانيه في القرآن ، وأوضحنا أن الظلم هو السبب الرئيسي في هلاك وخراب الأمم والشعوب كما في قوله تعالى   " قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ " ( الأنعام 47 ) .

 

 وكنا قد كتبنا مقالاً آخر عن طلبات الدعاء في القرآن ، وأوضحنا أن إستجابة الدعاء مرتبطة بمشيئة الله عز وجل .


وعندما وعد الله عباده بأن يهلك الظالمين ، لم يربط الأمر بمشيئته . فيقول تعالى " يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا " ( الإنسان 31 ) .


فرحمة الله مرتبطة بمشيئته ، لذا فيجوز طلب الرحمة في الدعاء .

 

أما هلاك أو عذاب الظالمين فغير مرتبط بالمشيئة ، بل هو وعد من الله لعباده في كتابه المجيد .

 

والله لا ينتظر دعاء العبد حتى ينفذ وعده بعذاب أو هلاك الظالمين .

 

لذا فيُكره الدعاء بهلاك الظالمين إذا حُدد إسمهم  ، وبالأخص إذا كان هذا الدعاء على المنابر ، فيقول تعالى " لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا " (النساء  148) .

 

وفي تفسير إبن كثير  عن تفسير الآية السابقة "  قال [ علي ] بن أبي طلحة عن ابن عباس : ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ) يقول : لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد ، إلا أن يكون مظلوما ، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه ، وذلك قوله : ( إلا من ظلم ) وإن صبر فهو خير له  " .

 

وفي تفسير إبن كثير  أيضاً في موضع آخر  " قال محمد بن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على رجال من المشركين يسميهم بأسمائهم ، حتى أنزل الله " لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ " ( آل عمران 128 ) " .


ولم يُذكر في القرآن صيغة للدعاء على الظالمين سواء بهلاكهم أو بعذابهم . كل ما ذُكر هو قوله تعالى على لسان المستضعفين " رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا " ( النساء 75 ) . 

 

وهنا لم يدعو المستضعفون الله ، بهلاك الظالمين ، ولكن بالخروج من تحت سيطرتهم كما في الآية . كما وعد الله المهاجرين بعد الظلم في الدنيا والآخرة في قوله تعالى " وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ " ( النحل 41 ) .

 

أما عن قوله تعالى "وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ" (يونس 88)  . فالدعاء في هذا الموضع ، ليس بسبب ظلمهم ولكن لإنفاقهم أموالهم في الحيد عن سبيل الله .


ولا تعارض في ذلك مع ما ورد في الحديث الشريف فعن عبدالله بن عباس أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إلى اليَمَنِ، فَقالَ: اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّهَا ليسَ بيْنَهَا وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ [صحيح البخاري 2448 ]. فليس بالضرورة أن تُسمي الظالم بإسمه في الدعاء .


لذا فنقول أن الدعاء بهلاك أو عذاب الظالمين بإسمهم ، لم يرد في القرآن ، ويُكره الدعاء على الظالم بإسمه وبالأخص على المنابر . ولك أن تدعو على الظالمين دعاءاً عاماً دون تسمية .


ندعو الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل .

هذا وبالله التوفيق .

محمد عبد الرحيم الغزالي

 

 

 

الدعاء بهلاك الظالمين في القرآن
الدعاء بهلاك الظالمين في القرآن


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الموت وعلاقته بالسمع والبصر في القرآن

أسباب العذاب في الدنيا في القرآن

من خصائص بيت الله

حجاب النساء ما بين كبائر الذنوب والفوز بالجنة

الحب المنبوذ في القرآن

حب الأبناء في القرآن

حب الأوطان في القرآن والحديث النبوي

حب الأنداد في القرآن

إدعاء محبة الله لليهود والنصارى

معاني الحب في القرآن