الموت في سبيل الله في الدولة الوطنية الحديثة
كنا قد كتبنا مقالين عن حقيقة القتال في القرآن وعن معاني القتل ومشتقاته في القرآن . وتوصلنا لحقيقة أن القتال لم يفرض لنشر الإيمان بين الناس ووضحنا أسباب فرض القتال في القرآن .
وفي عصر الدولة الوطنية الحديثة يشارك المؤمن والكافر في القتال دفاعاُ عن هذه الدولة الوطنية الحديثة وعن المستضعفين في الأرض . فقد يشارك كتابي أو مشرك في جيش دولة أغلبيتها مسلمين دفاعاً عن هذه الدولة وقد يُقتل في هذه المعارك وتعتبره الدولة شهيداً ، والعكس صحيح فقد يشارك مسلم من أتباع خاتم الأنبياء في الدفاع عن دولة أغلبيتها كتابيين أو مشركين وقد يُقتل أيضاً في هذه المعارك وتعتبره الدولة شهيداً .
وعملاً بقوله تعالى " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ " ( آل عمران 169) . نحاول في هذا المقال إيجاد معنى آخر لكل من عبارات الموت والحياة والرزق في هذة الآية كما وضحنا في مقالات سابقة عن معاني بعض المصطلحات في القرآن ومنها الكفر والإيمان والرزق .
فمن معاني الكفر في القرآن ، ضد الحياة ، في قوله تعالى " لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ " (يس 70) ، لذا فيمكن تفسير الحياة في هذة الآية على أنها الإيمان . كذلك يمكن تفسير الموت في بعض آيات القرآن على أنه الكفر وقد وضحنا سابقاً أن الله يشبه الكافرين بالأموات الذن لا يسمعون ولا يرون في الآيات :
• " خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " ( البقرة 7 ) .
• " وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ " ( البقرة 171) .
• " وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ " ( المائدة 71 ) .
• " وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " ( الأنعام 39 ) .
ويمكن الإطلاع على المزيد من الآيات التي تشبه الكافرين بالأموات في مقال عن الموت في القرآن .
أما عن الرزق فمن معاني الرزق في القرآن هو ضد " عذاب النار " في قوله تعالى " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ " ( البقرة 126 ) .
لذا فيمكن تفسير قوله تعالى " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ " ( آل عمران 169) ، على النحو التالي " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله كفاراً بل مؤمنين عند ربهم لا يعذبون عذاب النار "
وعن القتال في سبيل الله يقول تعالى " قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ " ( آل عمران 13 ) . فقد وضحنا أن ضد القتال في سبيل الله هو الكفر . لذا فيمكن تفسير القتال في سبيل الله على أنه الإيمان .
كان هذا عن دفاعاً عن مبادئ الدولة الوطنية الحديثة والتي يقرها القرآن ، فما أنزل القرآن ليكون شقاءاً للناس فيقول تعالى " مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ " ( طه 2) .
ندعو الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل .
هذا وبالله التوفيق .
محمد عبدالرحيم الغزالي
![]() |
الموت في سبيل الله في الدولة الوطنية الحديثة |
تعليقات
إرسال تعليق