معاني الشرك كسبب للعذاب في القرآن

  في المقالين السابقين تحدثنا عن معاني الشرك في القرآن وعن مدى جواز الاستغفار للمشركين وأهل الكتاب .

 

وتوصلنا إلى أن للشرك أكثر من ضد ، وهي على سبيل المثال ضد كل من العبادة ، والإيمان ، والهدى ، والتقوى ، والإسلام ، والحنيفية ، والشكر ، والتوبة ، والطيبة ، والتوكل على الله ، والدعاء ، والتسليم للأوامر ، والاستقامة والاستغفار ، وإقامة الدين ، والتوحيد ، والسجود .


كما توصلنا إلى  أن الشِرك ليس بالضرورة مرادف للكفر فقد ورد الشرك معطوفاً على الكفر في قوله تعالى " تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ " ( غافر  42 ) .

 

وفي هذا المقال نتحدث عن معنى / معاني الشرك كسبب للعذاب في القرآن وخاصة عذاب الآخرة . فالشرك أحد أسباب العذاب في القرآن ، ولكننا يجب أن نعرف معنى الشرك في كل آية .

 

فأما عن قوله تعالى أثناء الحديث عن بنى إسرائيل " وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ " (البقرة 96 ) ، فالشرك هنا هو ضد " التقوى " لأن الآية مسبوقة بالحديث عن المصير بعد الموت في الآخرة في الآيات " قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ " (البقرة 94 - 95) .

 

وأما عن قوله تعالى " مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ " ( البقرة 105 ) ، فليس في الآية أي دليل على إختصاص العذاب بكل أهل الكتاب وكذلك المشركين ولكن الحديث عن فئة كافرة منهم والكفر هنا هو ضد " التقوى" لأن الآية مسبوقة بقوله تعالى "وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ " ( البقرة 104) . وقد كتبنا مقال سابق عن معاني الكفر كسبب للعذاب في القرآن .

 

 

وأما عن قوله تعالى " سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ " ( آل عمران 151 ) ، فالآية مسبوقة بقوله تعالى "  بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ "( آل عمران 150) ، لذا فضد الشرك بالله هنا هو " التوكل على الله " .

 

وأما عن قوله تعالى على لسان السيد المسيح " إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَار " ( المائدة 72 ) ، فالعذاب هنا للجمع بين صفتي الشرك بالله وظلم النفس .

 

أما عن قوله تعالى " مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ " ( التوبة 113 ) ، فالشرك هنا هو ضد التقوى .

 

أما عن قوله تعالى "  إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا " ( الأحزاب 72 - 73 ) ، فالعذاب هنا للجمع بين صفتي الشرك وظلم النفس ، كما في سياق الآيات .


أما عن قوله تعالى " وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا  " ( الفتح 6 ) ، فالعذاب هنا في أحداث فتح مكة كما في سياق الآيات وللظن بالله ظن السوء .


أما عن قوله تعالى " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ "  ( البينة 6 ) . فالحديث هنا عن فئة من أهل الكتاب والمشركين توصف بالكفر والكفر هنا هو ضد التقوى والله أعلم .

 

هذا ونكتفي بهذا القدر ، وقد يكون هناك مواضع آخرى لم نجمعها في هذا المقال ، ويمكن أن نستنتج أن مجرد الشرك التعبدي ليس سبباً للعذاب في القرآن إلا إذا لحق به ظلم للنفس أو إجرام ، والله أعلم .

 

ندعو الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل .

هذا وبالله التوفيق .

محمد عبد الرحيم الغزالي

 

  

معاني الشرك كسبب للعذاب في القرآن
معاني الشرك كسبب للعذاب في القرآن

 

معاني الشرك كسبب للعذاب في القرآن
معاني الشرك كسبب للعذاب في القرآن

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الموت وعلاقته بالسمع والبصر في القرآن

أسباب العذاب في الدنيا في القرآن

من خصائص بيت الله

حجاب النساء ما بين كبائر الذنوب والفوز بالجنة

الحب المنبوذ في القرآن

حب الأبناء في القرآن

حب الأوطان في القرآن والحديث النبوي

حب الأنداد في القرآن

إدعاء محبة الله لليهود والنصارى

معاني الحب في القرآن