مدى جواز الإستغفار للمشركين وأهل الكتاب
الإستغفار هو طلب المغفرة والرحمة وضد كل من المغفرة والرحمة في القرآن هو العذاب ، فيقول تعالى " يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ " ( الفتح 14 ) ، ويقول تعالى " يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ ۖ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ " ( العنكبوت 21) ، ويقول تعالى " يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا " (الإنسان 31).
وقد وردت المغفرة مقترنة بالرحمة في أكثر من موضع في القرآن الكريم منها :
. قوله تعالى : " فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " ( البقرة 173 ) .
. قوله تعالى " فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " ( البقرة 182 ) .
. قوله تعالى " إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " ( آل عمران 98 ) .
. قوله تعالى " وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " ( آل عمران 129 ) .
. قوله تعالى " نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " ( الحجر 49 ) .
ولا يتسع المقام هنا لذكر كل المواضع التي ذكرت فيها المغفرة مقترنة بالرحمة .
كما أن ضد كل من الرحمة والمغفرة " الخسران " وذلك في قوله تعالى " قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ " (الأعراف 23) .
وأيضاً ضد كل من الرحمة والمغفرة " الضلال " وذلك في قوله تعالى " وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ " ( الأعراف 149 ) .
وقد وسعت رحمة الله كل شئ في قوله تعالى "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ " ( الأعراف 156) .
وفي هذة الآية دليل على أن التقوى ليست مرتبطة بالإيمان فقد جاءت التقوى معطوفة على إيتاء الزكاة والإيمان بالآيات . وقد كتبنا مقالات سابقة عن تعريف التقوى في القرآن وعن العلاقة بين التقوى والإيمان ، وخلصنا على أن لا إرتباط بين التقوى والإيمان ، فقد يكون الإنسان على درجة كبيرة من التقوى وهو ليس على درجة من الإيمان ، والعكس صحيح .
ولا يجوز لفئة من البشر أن تدعي أنها تمتلك التقوى وحدها دون باقي البشر فقد قال تعالى " وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ " ( آل عمران 115 ) .
لذا فإنه يجوز للمؤمن أن يستغفر للمشرك إذا إحتسبه المؤمن عند الله من المتقين ، ويسري على أهل الكتاب كذلك ما يسري على المشرك في جواز الإستغفار لهم ، فقال تعالى " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ " ( المائدة 65 ). فالتقوى جائزة في حق أهل الكتاب .
أما عن الآيات التي ورد فيها عدم جواز الإستغفار للمشركين فللشرك أكثر من معنى في القرآن وسنحاول أن نوضح معنى الشرك في كل آية من هذة الآيات في السطور القليلة القادمة من هذا المقال .
فأما عن قوله تعالى " مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ " ( التوبة 114) ، فالشرك هنا هو ضد التقوى وليس ضد الإيمان كما في قوله تعالى " وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ " ( التوبة 36 ) .
وأما عن قوله تعالى " إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا " ( النساء 116 ). فالشرك بالله هنا هو ضد " التوكل على الله " ، لأن الآية مسبوقة بقوله تعالى " وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا " ( النساء 115 ). وقد وضحنا في مقال سابق أن من ضمن معاني الشرك بالله هو ضد " التوكل على الله " وذلك في قوله تعالى" إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ " ( النحل 99 - 100 ) .
أما عن قوله تعالى " سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " (المنافقون 6) . فالحديث عن المنافقين وليس المشركين ، لأن الآيات تبدأ بقوله تعالى "إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ " ( المنافقون 1) .
هذا ونكتفي بهذا القدر في هذا المقال ، ونواصل بمقال آخر عن معنى/معاني الشرك كسبب للعذاب في القرآن .
ندعو الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل .
هذا وبالله التوفيق .
محمد عبد الرحيم الغزالي
![]() |
مدى جواز الإستغفار للمشركين وأهل الكتاب |
تعليقات
إرسال تعليق