العقوبات على الكبائر في النظم القانونية

       في العصر الحديث ، تعقدت النظم القانونية في الدول ، ووضعت العقوبات في القوانين على الكبائر الخطيرة على المجتمع كالجنايات وكذلك على الصغائر كالجنح .

وكنا قد كتبنا مقالاً عن أسباب العذاب في الدنيا ، ووضحنا فيه أن الله قد قرر بعضاً من العذاب في الدنيا على بعض الكبائر ، ووضحنا أن الكبيرة هي كل ما يستحق عليه العبد عذاباً في الدنيا أو الآخرة .

 

وحماية للمجتمع من خطورة إرتكاب الكبائر وضع الله العقوبات على الكبائر في  قرآنه المجيد وذلك في صورة عذاب سواء في الدنيا أو الآخرة . ونقول أنه لا حاجة لوضع عقوبات على هذة الكبائر في النظم القانونية بالدول .

 

فقد حمى الله عز وجل مال اليتيم في قوله تعالى " إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا " ( النساء 10 ) .

وحمى الله المال العام في قوله تعالى "  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا " ( النساء 29- 30)

 

وحمى الله المال الخاص في قوله تعالى " وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "  (المائدة 38 - 40) .

وحمى الله النفس البشرية في قوله تعالى " وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا " ( النساء 93 ) 

 

كما حمى الله العلاقات المالية بين الشخصيات الطبيعية، فوضع عقوبة الربا في صورة حرب من الله ورسوله ، في قوله تعالى  " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ " (البقرة 278 - 279) .

 

 كما حمى الله أسرار الدولة من خطر  " التجسس" ، " وهو النفاق في القرآن " ، في قوله تعالى " بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا " ( النساء 138 ).

 

كما حمى الله الأعراض في أكثر من موضع في القرآن منها قوله تعالى "  إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " ( النور 23  )

 

وحمى الله دور العبادة من السعي في خرابها ، في قوله تعالى "  وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ "  (البقرة 114) .

 

وحمى الله الأمن والنظام العام من خطر " الحرابة " ، أو ما يمكن أن نطلق له ترويع الآمنين أو ما يعرف في الأوساط الإعلامية بالإرهاب ، وأجاز الله محاربة هؤلاء ووضع العقوبات لهم ، في قوله تعالى " إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " (المائدة 33 - 34) .


كما حمى الله الأمانات ، في قوله تعالى "  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ "( الأنفال 27) ، وقد عد رسول الله خيانة الأمانة كصفة من صفات المنافقين ، فعن عبد الله بن عمرو أنّ النبي عليه السلام قال: (أربعٌ من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خَصْلةٌ منهن كانت فيه خَصْلَةٌ من النفاقِ حتى يدعَها: إذا اؤتُمِنَ خانَ، وإذا حدَّثَ كذبَ، وإذا عاهدَ غَدرَ، وإذا خاصمَ فجرَ) [صحيح البخاري] .

 

ويعد نقض العهد والميثاق يُعدّ من صور خيانة الأمانة [1]  . وإذا كان نقض العهد والميثاق كبيرة من الكبائر في قوله تعالى " إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " (آل عمران 77 ) ، وذلك كما بينا في مقال سابق عن القسم والعهد في القرآن . فمن باب أولى أن تكون خيانة الأمانة من الكبائر .


وأخيراً وليس آخراً فقد حمى الله أموال المواريث ، في قوله تعالى " فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا " (الفجر 15 - 20) .


 هذا ولا يتسع المقام هنا لذكر كل الكبائر التي وضع الله لها عذاباً أو عقوبة ،ولكن نقول أنه لا حاجة لدينا لوضع عقوبات في النظم القانونية للدول على الكبائر في القرآن أو ما يعرف بالجنايات ، ولا حاجة لوضع أي إجراءات إحترازية كالحبس الإحتياطي على هذة الكبائر في القرآن ، ويجب تبسيط قوانين العقوبات في الدول بحذف العقوبات على الجنايات " الكبائر " . كما يجب أن ندع الملك للمالك وهو الله الذي وعدنا بالإنتقام من المجرمين ، فقد قال تعالى " إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ " (إبراهيم  47 ) وقال تعالى " إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ " (السجدة 22) .



ندعو الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل .

هذا وبالله التوفيق .

محمد عبد الرحيم الغزالي

 

المصادر 

1- عقوبة خيانة الأمانة 

https://sotor.com/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A9-%D8%AE%D9%8A%D8%A7%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%A7%D9%86%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85/

 

 

 

 

 

 

العقوبات على الكبائر في النظام القانوني
 العقوبات على الكبائر في النظام القانوني

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الموت وعلاقته بالسمع والبصر في القرآن

أسباب العذاب في الدنيا في القرآن

من خصائص بيت الله

حجاب النساء ما بين كبائر الذنوب والفوز بالجنة

الحب المنبوذ في القرآن

حب الأبناء في القرآن

حب الأوطان في القرآن والحديث النبوي

حب الأنداد في القرآن

إدعاء محبة الله لليهود والنصارى

معاني الحب في القرآن