معاني القتل ومشتقاته في القرآن
نواصل هنا ما بدأناه في مقالات سابقة عن معاني بعض المصطلحات ، وفي هذا المقال نوضح معاني مصطلح القتل ومشتقاته كالقتال والاقتتال في القرآن .
وكنا قد كتبنا مقال عن حقيقة القتال في القرآن ووضحنا فيه أن القتال لم يفرض في القرآن لنشر الإيمان القلبي ولكن لنشر الهدى وإتباعه بين الناس كما فرض للدفاع عن الوطن ولنصرة المستضعفين في الأرض .
وكما قال الشاعر " بضدها تتبين الأشياء " وكما تعودنا في مقالات سابقة فإن أول معاني القتل في القرآن هو " ضد الإحياء " في الآيات :
. " مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا " ( المائدة 32 )
. " وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ " ( الأعراف 127 )
. " وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ " ( الأعراف 141 )
. " فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ " ( غافر 25 )
أما عن ثاني معاني القتل في القرآن في عده مواضع ومنها قوله تعالى " قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ " (عبس 17) ، فنقول وبالله التوفيق أنه لو كان القتل هنا بمعنى " ضد الإحياء " لوجب أن يموت كل بنى البشر قتلاً ، ولكن القتل هنا بمعنى السب واللعن كما فسرها العديد من المفسرين القدامى ومنهم الطبرى ، كما أن الكفر في الآية بمعنى " ضد الشكر " والله أعلم .
و في قوله تعالى " وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ " ، نقول أن القتال هنا بمعنى السب واللعن أيضاً والله أعلم .
أما عن المواضع التي تتحدث عن قتل بنى إسرائيل للأنبياء ومنها الآيات :
. " وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ " ( البقرة 61 ) .
. " إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ " ( آل عمران 21 ) .
. " لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ " ( آل عمران 181 ) .
. " فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا " (النساء 155 ) .
فنقول أنه في جميع هذة المواضع جاءت كلمة الأنبياء أو النبيين معرفة بآداة التعريف " الـ " ولو كان القتل هنا بمعنى " ضد الإحياء لوجب أن يقتل بنى إسرائيل كل أنبيائهم ، وقد برأ الله عز وجل بنى إسرائيل من تهمة قتل السيد المسيح وكذا لم يثبت في القرآن ولا في الكتب السماوية السابقة أن بنى إسرائيل قتلوا أحد الأنبياء ، كما أن هذا التفسير يتناقض مع حماية الله عز وجل لأنبياءه . لذا فنقول أن قتل بنى إسرائيل للأنبياء بمعنى " السب واللعن " وليس " ضد الإحياء "
ونعود إلي باقي معاني مشتقات القتل في هذا المقال ، فثالث المعاني في القرآن هو " ضد الكفر " ، في قوله تعالى " قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ " ( آل عمران 13 ) .
رابع المعاني في القرآن هو ضد القعود في قوله تعالى " قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ " ( المائدة 24 ) .
خامس المعاني في القرآن هو " ضد الدفاع " ، في قوله تعالى " وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا " ( آل عمران 167 ) .
سادس المعاني القرآن هو " ضد الغلبة " ، في قوله تعالى " فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا "( النساء 74 ) .
سابع المعاني في القرآن هو " ضد الأمن والإعتزال والسلم " في قوله تعالى " إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ ۚ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا * سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا ۚ فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ۚ وَأُولَٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا " (النساء 90 - 91) .
ثامن المعاني في القرآن هو " ضدالإنتهاء " ، في قوله تعالى " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " ( الأنفال 39 )
تاسع المعاني في القرآن هو " ضد الأسر " ، في قوله تعالى " وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا " ( الأحزاب 26 ) .
عاشر المعاني في القرآن هو " ضد الإسلام " ، في قوله تعالى " قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ۖ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا ۖ وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا " (الفتح 16) .
هذا ونكتفي بهذا القدر من معاني القتل ومشتقاته في القرآن ، ونوضح أن ذلك كان حتى لا نحرف الكلم عن مواضعه .
ندعو الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل .
هذا وبالله التوفيق .
محمد عبد الرحيم الغزالي
هذا وبالله التوفيق .
محمد عبد الرحيم الغزالي
تعليقات
إرسال تعليق