معاني الهُدى في القرآن
كنا قد كتبنا عدة مقالات عن الهدى وعن معناه وعن علاقته بكل من الإيمان والتقوى ، ووضحنا أن الهدى هو ضد الضلال كما في قوله تعالى " يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ " (المدثر 31 ).
وكما تعودنا هنا فإننا نفسر المصطلح في القرآن بضده وكما يقول الشاعر " بضدها تتبين الأشياء " ، لذا فإن لمصطلح الهدى أكثر من معنى في القرآن ، نحاول أن نوجزها في هذا المقال .
أول المعاني ، وكما ذكرنا من قبل ، فإن ضد الهدى " الضلال " كما في قوله تعالى " يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ " (النحل 93 ) .
ثاني المعاني هنا ، هو ضد " الشقاق " ، كما في قوله تعالى " فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " ( البقرة 137 ) .
ثالث المعاني ، هو ضد " الجهل " ، كما في قوله تعالى " وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ " ( الأنعام 35 ) .
رابع المعاني ، هو ضد " الشِرك " ، كما في قوله تعالى " ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " ( الأنعام 88 ) .
خامس المعاني ، هو ضد " الخوض واللعب " ، كما في قوله تعالى " قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ " ( الأنعام 91 ) .
سادس المعاني ، هو ضد " الغفلة " ، كما في قوله تعالى " أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ " ( الأنعام 156 – 157 ) .
سابع المعاني ، هو ضد " الرد على الأعقاب " ، كما في قوله تعالى " قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ " ( الأنعام 71 ) .
ثامن المعاني ، هو ضد " المرية " أو ضد ما نسمية في اللغة الدارجة " الشك " ، كما في قوله تعالى " وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ " (الحج 54 - 55 ) .
تاسع المعاني ، هو ضد " الظلم " ، كما في قوله تعالى " وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ " ( الأعراف 148 ) . وقد كتبنا مقال سابق عن الظلم وعاقبته ومعانيه في القرآن .
عاشر المعاني ، هو ضد " التكذيب بالآيات " ، كما في قوله تعالى " وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ : ( الأعراف 181 – 182 ) .
المعنى الحادى عشر ، هو ضد " الإجرام " ، كما في قوله تعالى " كَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا " ( الفرقان 31 ) .
المعنى الثاني عشر ، هو ضد " النفور " ، كما في قوله تعالى " وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا " ( فاطر 42 ) .
المعنى الثالث عشر ، هو ضد " العمى " ، كما في قوله تعالى " وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " ( فصلت 17 ) .
المعنى الرابع عشر ، هو ضد " الصد " ، كما في قوله تعالى " وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ " ( الزخرف 37 ) .
المعنى الخامس عشر ، هو ضد " النكث " ، كما في قوله تعالى " وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ " (الزخرف 49 – 50 ) .
المعنى السادس عشر ، هو ضد " الكفر بآيات الله " ، كما في قوله تعالى " هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ " ( الجاثية 11 ) . وقد وضحنا ذلك في مقال عن معاني الكفر في القرآن .
المعنى السابع عشر ، هو ضد " الفسق " ، كما في قوله تعالى " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ " ( الحديد 23 ) . وقد كتبنا مقال سابق عن معاني الفسق في القرآن .
المعنى الثامن عشر ، هو ضد " التكذيب والتولي " ، كما في قوله تعالى " أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى " ( العلق 11 – 13 ) . وقد وضحنا ذلك في مقال سابق عن معاني التولي في القرآن .
المعنى التاسع عشر ، هو " ضد الطغيان " ، كما في قوله تعالى " كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى * وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى " ( طه 81 – 82 ) .
المعنى التاسع عشر ، هو " ضد العصيان " ، كما في قوله تعالى " فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى " ( طه 121 – 122 ).
وكما إستخرجنا المعاني من التضاد ، نستطيع أن نستخرج الترادف من التشابه بين الآيات ، لذا فالمعنى الحادي والعشرون للهُدى هنا هو مرادف " الرضوان " ، كما في قوله تعالى " وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ " ( آل عمران 174 ) ، وقوله تعالى " يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ " ( المائدة 16 ) .
المعنى الثاني والعشرون للهُدى هنا هو مرادف " المِلة " ، كما في قوله تعالى " وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ "( البقرة 120 ) .
كان هذا كي نفسر كل مصطلح في القرآن في موضعه ، ولا نحرف الكلم عن مواضعه . وقد يكون للهُدى معاني آخري في القرآن لم نجمعها في هذا المقال .
ندعو الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل .
هذا وبالله التوفيق .
محمد عبد الرحيم الغزالي
تعليقات
إرسال تعليق