النقاب وحدود الحرية الشخصية
النقاب هو غطاء وجه الإنسان ، ومن تعبيرات وجه الإنسان تستطيع أن تعرف بعض أحواله , سعيد أم حزين , مريض أم معافي ، صادق أم كاذب ، كما أن حال الإنسان في الآخرة يعرف من وجهه ، فيقول تعالى : " يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ " ( آل عمران 106 ) ويقول تعالى : " وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ " ( القيامة 22 - 25 ) ، ويقول تعالى : " وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ " ( الزمر 60 ) .
والنقاب قد يكون حرية شخصية ، ولكن عندما يتعلق الأمر بارتكاب الكبائر التي تستوجب العذاب واللعنة من الله ، فيجب أن يكون لنا وقفه .
فلقد أمرنا الله في قرآنه المجيد ، بصلة الرحم وحذرنا الله تعالى من قطيعة الرحم وذلك في قوله تعالى : " وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ " ( الرعد 25 ) .
وأنت عندما تنظر إلي وجه الإنسان , تستطيع أن تعرف بعض أحواله . فحتى تتحقق صلة الرحم يجب عليك أن تعرف أحوال رحمك ولا تخفي عنهم بعض أحوالك . لذا فيجب علي الإنسان رجل كان أو إمرأة وهو يصل رحمه ألا يخفي وجهه عنهم .
فقطيعة
الرحم هنا من كبائر الذنوب التي تستوجب لعنة الله . لذا فقد يكون
إرتداء النقاب ، أمام ما أمر الله به أن يوصل ، كبيرة من الكبائر ، وليس حرية شخصية والله أعلم .
وينبغي هنا أن نوضح أن ما أمر الله به أن يوصل لا يقتصر على المحارم ولكن يمتد إلى عموم الأهل و الأقارب والأرحام .
وبعيداً عن الكبائر وقطيعة الرحم فالإنسان ملزم بإتباع القوانين والأوامر التي تصدر عن سلطات الدول ، فيقول الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا " (النساء 59) .
لذا فلا يجوز مخالفة القوانين التي تحظر النقاب في الأماكن العامة في بعض الدول .
كما أن إرتداء النقاب أمام القاضي في المحاكم أثناء الشهادة يبطل الشهادة . فالقاضي يجب أن يتعرف على شخصية الشاهد ويتعرف على تعبيرات وجهه أثناء الشهادة ليكون عقيدة إذا ما كان هذا الشاهد يقول صدقاً أم كذباً .
كما أن إرتداء بعض المتهمين النقاب أثناء المحاكمة يُبطل المحاكمة لذات الأسباب السابقة .
وليست مشكلة كاتب هذا المقال أن هيئات الدفاع عن المتهين والإدعاء لا تدفع ببطلان الشهادة والمحاكمة .
كما أن إداء المنتقبات بصوتهم في الإنتخابات والإستفتاءات العامة دون أن يتعرف المشرف على الإنتخابات على شخصيتهم يبطل التصويت ، إن لم يكن يبطل الإنتخابات ككل .
كما يجب على قائدي السيارات أن يكشفوا وجوههم لمسئولي المرور عند الطلب . وإذا كانت القوانين تلزم قائد السيارة بكشف وجهه أثناء القيادة فيجب على الإنسان أن يلتزم بذلك .
أما عن البعض الذين يتحدثون عن فرضية النقاب , فأدعوهم إلي تدبر قول الله تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " ( الأحزاب 59 ) .
وهنا أدعوهم إلى أن يقفوا عند أمر الله للنبي " قل " , أي أن تفسير هذه الآية يكون بأقوال صريحة من رسول الله .
فهل لديكم من أقوال رسول الله ما يؤيد فرضية النقاب ؟! للأسف ليس عندكم شيء إلا فهم بعض الصحابيات لهذه الآية , وسكوت الرسول عن النهي عن هذا الفعل , وهو ما يسمونه عندهم سُنة تقريرية .
أما عن حديث رسول الله في هذه المسألة فيتمثل في قوله صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر " ( يا اسماء ان المرآه اذا بلغت المحيض لم يصح ان يرى منها الا هذا وهذا ) واشار الى وجهه و كفيه " . وكفى بهذا الجدال .
ندعو الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل .
هذا وبالله التوفيق .
محمد عبد الرحيم الغزالي
تعليقات
إرسال تعليق