معاني الكٌفر كسبب للعذاب في القرآن

     في المقالين السابقين تحدثنا عن  أسباب العذاب في القرآن في الدنيا والآخرة . وفي هذا المقال نتحدث عن معاني كلمة الكفر كسبب للعذاب في القرآن . ففي مقال سابق تحدثنا عن معاني الكُفر في القرآن واستنتجنا أن للكُفر أكثر من معنى في القرآن غير ضد الإيمان .

**********************************

في هذا المقال نوضح معاني الكفر في بعض آيات الوعد بالعذاب في القرآن ثم نخلص في هذا المقال إلى عدة نتائج عن الوعد بالعذاب في القرآن .

نبدأ في هذا المقال بتوضيح معنى الكُفر في قوله تعالى "  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ " ( البقرة 6) . ونقول ، أن لو أن ضد الكفر في هذة الإية هو الإيمان  ، لبطل قوله تعالى " إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا " (النساء 137) .

فالإيمان بعد الكُفر أو الكُفر بعد الإيمان وارد في القرآن ويستحيل أن يكون معنى الكفر في الآية 6 من سورة البقرة هو ضد الإيمان .


ولكن الكُفر في الآية 6 من سورة البقرة هو " ضد التقوى " أو بمعنى الإجرام لأن سياق الآيات يبدأ بقوله تعالى "هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ " (البقرة 2) ثم تصف الآيات بعض صفات المتقين ثم تنقل إلى وصف الكافرين أو المجرمين وقد بينا في مقال سابق معاني الكفر في القرآن ومنها الإجرام ، أو ما يعرف بضد التقوى في قوله تعالى "  تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ " ( الرعد 35 ) .
 
**********************************
أما عن معنى الكُفر في قوله تعالى "  وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " ( البقرة 39 ) . فسياق الآيات يبدأ بقوله تعالى " قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " ( البقرة 38) . وإتباع الهدى في القرآن هو التقوى كما بينا في مقال سابق عن تعريف التقوى في القرآن .  لذا فمعنى الكفر في الآية  السابقة هو الإجرام ( ضد التقوى ) .
**********************************
أما عن معنى الكُفر في قوله تعالى " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ " ( البقرة  126 ) . فهنا الأمن والرزق يتطلبان شكر الله على نعمه ، لذا فمعنى الكفر هنا هو نكران النعمة ( ضد الشكر ) . والحرم المكي لا يوجد به مشركين كما بينا في مقال سابق حتى نقول أن الكفر هنا هو ضد الإيمان .
**********************************
أما عن معنى الكُفر في قوله تعالى : "  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ " ( آل عمران 10 ) . فمع ذكر المال والولد هنا وهو ما يتطلب شكر الله على نعمه ، لذا فمعنى الكفر هنا هو نكران النعمة ( ضد الشكر ) .
**********************************

أما عن إلى معنى الكفر في قوله تعالى : " قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ "  ( آل عمران 12 ) . فسياق الآية يتحدث عن القتال وذلك من كلمة " سَتُغْلَبُونَ "  وكذلك الآية متبوعة بقوله تعالى " قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ " ( آل عمران 13 ) .

وقد تحدثنا في مقال سابق عن حقيقة القتال في القرآن ووضحنا أنه  لم يفرض القتال في القرآن لنشر الإيمان بين الناس ولكنه فرض لنشر الهُدى بين الناس ، لذا فمعنى الكفر في الآية 12 من سورة آل عمران هو الإجرام ( ضد التقوى ) .
**********************************
  أما عن معنى الكُفر في قوله تعالى : " سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ " ( آل عمران 151 ) . فسياق الآية عن القتال وذلك من كلمة " الرُّعْبَ " وكذلك فالسياق يبدأ بقوله تعالى " وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ " ( آل عمران 146 ) .

وقد تحدثنا في مقال سابق عن حقيقة القتال في القرآن ووضحنا أنه  لم يفرض القتال في القرآن لنشر الإيمان بين الناس ولكنه فرض لنشر الهُدى بين الناس ، لذا فمعنى الكفر في الآية 151 من سورة آل عمران هو الإجرام ( ضد التقوى ) .

**********************************
أما عن معنى الكُفر في قوله تعالى "  وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ " ( البقرة 88 )  . فالحديث هنا عن بنى إسرائيل المعاصرين لبعثة رسول الله وهم في هذة الآية قليلاً ما يؤمنون ، وذلك مصداقاً لقوله تعالى " مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ "  ( آل عمران  110 )  .وهنا العذاب هو اللعنة أي الطرد من رحمة الله . لذا فمعنى الكفر هنا هو ضد الإيمان .

ولكي نستدل أكثر على أن المقصود ببنى إسرائيل هنا هم المعاصرين لبعثة رسول الله ، أن الآية متبوعة بقوله تعالى " وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ " ( البقرة 89 ) .
**********************************

 أما عن قوله تعالى " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا " ( النساء 56) .فالكفر بالآيات هنا بمعنى الفساد لأن الآية متبوعة بقوله تعالى " وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا " ( النساء 57 ) .
**********************************

أما عن قوله تعالى : "  لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  " ( المائدة 73 ) . فقد ذكر الكفر مرتان هنا ، المرة الأولى بمعنى الكفر العقائدي ( ضد الإيمان ) والمرة الثانية بمعنى ضد التوبة لأن الأية متبوعة بقوله تعالى "
أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " ( المائدة 74 ) . ويستحيل أن يتكرر معنى الكفر مرتان في الأية بمعنى واحد .

**********************************
 أما عن قوله تعالى "  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ " ( البينة 6 ) . فالحديث عن فئة من أهل الكتاب والمشركين مفسدون في الأرض , لأن الآية متبوعة بقوله تعالى "  إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ " ( البينة 7 ) .  وليس كل أهل الكتاب والمشركين مفسدون في الأرض .

**********************************
أما عن قوله تعالى " وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا " ( الإسراء  10 ) . فهنا الحديث عن أحد أجزاء الإيمان وهو الإيمان بالآخرة . وقد أخبرنا الله في القرآن عن فئة تسمى الصابئة منهم من يؤمن باليوم الآخر ، في قوله تعالى " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " ( البقرة  62 ).

**********************************
ومن الصعب حصر الآيات التي تتحدث عن الوعد بالعذاب بالنسبة للكفر , في مقال واحد , ولكن من الممكن أن نخلص إلى نتيجة أن صاحب الكفر العقائدي ( ضد الإيمان )  غير معذب فيقول تعالى " فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ " (  الكهف 29 ) . وذلك فيما عدا الإيمان بالآخرة ، فعدم الإيمان بالآخرة يحبط الأعمال في قوله تعالى : "  وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " ( الأعراف 147 ) .
**********************************

ندعو الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل .

هذا وبالله التوفيق .

محمد عبد الرحيم الغزالي
 







معاني الكلمات
معاني الكلمات







العذاب
العذاب

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الموت وعلاقته بالسمع والبصر في القرآن

أسباب العذاب في الدنيا في القرآن

من خصائص بيت الله

حجاب النساء ما بين كبائر الذنوب والفوز بالجنة

الحب المنبوذ في القرآن

حب الأبناء في القرآن

حب الأوطان في القرآن والحديث النبوي

حب الأنداد في القرآن

إدعاء محبة الله لليهود والنصارى

معاني الحب في القرآن