حقيقة القسم بغير الله
لم يحرم الله فعلاً علي عباده ، إلا وقد حرمه علي نفسه ، فيقول الله عز وجل في الحديث القدسي : " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا " . حتى أن الله حرم علي نفسه أن ينادي رسوله باسمه مجرداً ، فلم يرد في القرآن أن نادى الله نبيه بإسمه , وذلك قبل أن يحرم هذا الفعل علي المؤمنين في قوله تعالى في : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ " ( الحجرات 2 ) . لذا فالجهر باسم النبي مجرداً أو في غير سياق يثبت أنه النبي من كبائر الذنوب التي تحبط الأعمال .
وقد أقسم الله تعالى بنفسه في أكثر من موضع منها الآيات التالية :
• " فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ... " ( النساء 65 ) .
• " ... تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ " ( النحل 56 ) .
• " تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ... " ( النحل 63 ) .
• " فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا " (مريم 68 ) .
• " فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ " ( الذاريات 23 ) .
وقد أقسم سيدنا إبراهيم بالله في قوله تعالى : " وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ " ( مريم 57 ) . وقد أقسم إخوة يوسف بالله في قوله تعالى : " قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ " ( يوسف 73 ) ، وكذلك في قوله تعالى : " قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ " ( يوسف 91 ) .
والكفار وهم في نار جهنم بعدما رأوا الحق يوم القيامة يقسمون بالله أنهم كانوا في ضلال مبين وذلك في قوله تعالى : " قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ " ( الشعراء 96 .. 98 ) .
ولو أن القسم بغير الله محرماً ، لحرم الله ذلك الفعل علي نفسه . والقرآن الكريم ملئ بالمواضع التي أقسم بها الله تعالى بغير نفسه . فقد أقسم الله تعالى بيوم القيامة وبالقرآن ، وأقسم الله تعالى ببعض الأماكن كمواقع النجوم وطور سينين والبلد الأمين ( أي مكة ) ، وأقسم الله تعالى ببعض مخلوقاته كالسماء و الشمس والقمر وبالصافات ( أي الملائكة التي تصطف في عبادة الله ) وغيرها من صفات الملائكة ، حتى أن الله تعالى أقسم بما هو من خلق الإنسان فقد أقسم الله تعالى بالقلم وبالجاريات ( أي السفن ) . وقد أقسم الله تعالى بحياة النبي في قوله تعالى : " لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ " ( الحجر 72 ) ، وغير ذلك من مواضع القسم التي أقسم بها الله تعالى والتي لا يتسع المقام هنا لذكرها .
ومما سبق يتضح لنا أنه يجوز للمؤمن أن يقسم بالله وأن يقسم بالنبي وأن يقسم بكل قسم أقسم به الله في كتابه العزيز، والله أعلم .
ندعو الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل .
هذا وبالله التوفيق .
تعليقات
إرسال تعليق