مصدر النسيان في القرآن

   لقد نفي الله عن نفسه صفة النسيان وذلك في قوله تعالى : " ... وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا " ( مريم 64 ) ، وكذلك في قوله تعالى : " .. لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى " ( طه 52 ) . والإنسان دائماً ما يتعرض للنسيان ، فيقول المثل "جل من لا يسهو" . ومصدر النسيان في القرآن واضح ، وهو عمل الشيطان وذلك في الآيات التالية :
   • " وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ " ( يوسف 42 ) .
   • " قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا " ( الكهف 63 ) .

حتى أن الرسل والأنبياء الأنبياء معرضين للنسيان بواسطة عمل الشيطان ويتضح ذلك في قوله تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ " ( الحج 52 – 53 ) . وفي الآيات السابقة " تَمَنَّى " بمعني قرأ من الكتاب . والمعني أن النبي يُنسيه الشيطان أثناء تلاوته للكتاب ، فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يُحكم آياته .

ومن الأدلة في القرآن ، علي أن رسول الله معرض للنسيان بواسطة عمل الشيطان ، قوله تعالى : " وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " ( الأنعام 68 ) ، وقوله تعالى : " وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ " ( الكهف 24 ) .

 ونسيان النبي أثناء تلاوته للكتاب لا يتعارض مع قوله تعالى " سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى " ( الأعلى 6 ) لأن الآية متبوعة بقوله تعالى " إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ " ( الأعلى 7 ) ، فنسيان النبي مرتبط بمشيئة الله الذي تعهد بحفظ القرآن وجمعه .

ومن الأدلة في السيرة النبوية على أن رسول الله معرض للنسيان بواسطة عمل الشيطان ، هو نسيان النبي لموعد ليلة القدر , فعن أبي سعيد الخدري قال : اعتكفنا مع رسول الله العشر الاوسط من رمضان، فقال : " انّي رأيت ليلة القدر فاُنسيتها ، فالتمسوها في العشر الاَواخر في الوتر " .

وهنا يجب أن نوضح أن الأنبياء عموماً يمسهم عمل الشيطان ويتبين ذلك في قوله تعالى " وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ " ( ص 41 ) .
 
 كما يجب أن نوضح أن السيدة مريم العذراء وإبنها السيد المسيح معصومان من عمل الشيطان في قوله تعالى " وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " (آل عمران 36) . وفي قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الشيخان "ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخاً من مس الشيطان، غير مريم وابنها"


وأخيرا أخي العزيز فأذكرك بأن المداومة علي الإستعاذة بالله من الشيطان الرجيم تبطل مفعول عمل الشيطان ، بمشيئة الله ، فإذا نسيت أمراً ما فأعلم أنه من الشيطان وبادر بالإستعاذة بالله من الشيطان الرجيم . وذلك تصديقاً لقوله تعالى : " وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " ( فصلت 36 ) . وتذكر قوله تعالى " وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ " ( الكهف 24 ) .

ندعو الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل .

هذا وبالله التوفيق .

محمد عبد الرحيم الغزالي


مصادر للإطلاع :

http://islamqa.info/ar/184148

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الموت وعلاقته بالسمع والبصر في القرآن

أسباب العذاب في الدنيا في القرآن

من خصائص بيت الله

حجاب النساء ما بين كبائر الذنوب والفوز بالجنة

الحب المنبوذ في القرآن

حب الأبناء في القرآن

حب الأوطان في القرآن والحديث النبوي

حب الأنداد في القرآن

إدعاء محبة الله لليهود والنصارى

معاني الحب في القرآن